العناية بالطفل

الطرق و الأساليب الصحيحة لحوار ناجح و مثمر مع الأطفال

اجادة و ادارة حوار ناجح و مميز مع الاطفال يعتبر مهارة و خطوة عظيمة في رحلة التربية الشاقة . لذلك اعتبر التحاور مع الاطفال و تعليمهم الحوار الناجح فن و ثقافة يتجلى جماله و فوائد على المدار القريب و البعيد ايضا .

معلوم ان الطفل منذ سن الثالثة يبدأ باكتشاف العالم الخارجي و يبدأ بالتعرض الى عدة مواقف منها المفرحة و المحزنة و المقلقة و غيرها في عدة اماكن كالروضة و المدرسة و النوادي و في الرحلات … و غيرها بدون والديه . لذلك في الكثير من الاحيان نعجز عن معرفة ما ان قضى يوما جيدا ام او ما ان تعرض الى مشكلة ام لا .. الكثير و الكثير من الاسئلة تتراود الى اذهاننا و نحن نفكر باطفالنا , لكن لا نستطيع فعل شئ و الضغوط تتراكم الى ان تصبح عقدا يصعب علاجها . حتى عند سؤالنا لن نتمكن من الحصول على اجابات واضحة او مفهومة لاننا نفتقر الى الاسلوب الجيد في الحوار و لم ندرب ابنائنا حتى على الحديث .

لهذا السبب عزيزي القارئ عليك ان تحرص جيدا على تعلم اكتساب هذه المهارة و تعلم اساسياتها و قواعدها . لذلك اليوم سنشرح لك الفوائد الهائلة من الحوار السليم و الصحيح مع الاطفال , ثم سنوضح كيفية التعامل و التحاور مع كل فئة عمرية , و في عنصر لاحق سنقدم لك مجموعة مع الطرق الصحيحة لتدير حوارا ناجحا و مفيدا مع طفلك ستجني ثماره عاجلا ام اجل و في الاخير ساسلط الضوء على بعض الارشادات او النصائح المهمة لبدء رحلة حوار صحيحة و ناجحة .

فوائد الحوار السليم مع الطفل :

يبدأ الحوار مع الاطفال منذ نعومة اظفارهم , صحيح ان الطفل الصغير لم يبدأ بالفهم و الادراك بعد لكنه سيبدأ بالتعود على الاصوات و تلقي الالفاظ و المفردات . و هذا يعتبر من اهم الاساليب التربوية المعاصرة . ينتج عن الحوار مع الطفل :

اولا, فصاحة و طلاقة اللسان :

وهي اول ميزة للطفل الذي تربى في اسرة متحاورة ذون غيره . في الكثير من الاحيان نقابل طفلا يتمتع باسلوب مبهر و جريئ -في نطاق الادب و حسن الحوار- تراه يتحدث مثل الكبار خاصة في التجمعات العائلية .

اضف الى ذلك ان الدراسات الحديثة اثبتت ان الفصاحة هي مهارة مكتسبة و ليست فطرية عند اشخاص دون غيرهم كما هو شائع , بل هي نتيجة تلقينه الاسلوب الصحيح في الحوار .

اود الاشارة الى نقطة مهمة : في الكثير من الاحيان تشدنا تلك العبارات الطفولية التي ينطقها الطفل الصغير في مراحله الاولى , فنجعله اسلوب حديث معتاد و نكررها على مسامع اطفالنا دون وعي . لكن هذه العادة من الاخطاء الشائعة , اذ يجب تصحيحها لان الطفل يخزن الكلمات التي تتكرر على مسامعه .. فالطريقة الصحيحة هي تعديل هذه الكلمات و محاورة اطفالنا بالاسلوب الواضح و لغة سليمة حتى يتعود على هذه الطريقة . و بذلك يكون قد نجح في تخزين محصول لغوي سليم و صحيح . و يتم ذلك بالاعتماد على المحاورة الدائمة و التدريب المتكرر لاكتساب مهارات لغوية .

ثانيا , التعبير عن المشاعر :

في اغلب الاحيان يعجز الابوين عن معرفة سبب حزن او قلق اطفالهم , و ذلك بسبب عدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم لانهم لا يعرفون كيف او ماذا يقولون . و هذا من اسوأ و أصعب ما يواحهه كل الاطراف .

و لهذا السبب فان فائدة الحوار السليم الدائم مع الطفل تمكنه من اكتساب مخزون لغوي من المفردات التي تساعده على التعبير و الافصاح عن مشاعره و رغباته بدون قلق . اذا مهم جدا ان يحرص الوالدين على تعبئة هذا المخزون منذ الصغر و ذلك عن طريق استغلال كل الفرص في كل الاوقات للتحاور مع الاطفال مثلا اثناء الاستحمام , اثناء اللعب , اثناء الطبخ …

و هنا نكون قد زرعنا بذرة  الحديث و الافصاح التي سنجني ثمارها في القريب العاجل .

ثالثا , فائدة الانصات :

أحد فوائد الحوار السليم هو تمكين الطفل من مهارة الانصات و حسن ادارة الحوار . وهذه المهارات لها عدة ابعاد ايجابية على شخصية الطفل المستقبلية كضبط النفس عند الغضب و عدم التسرع في اتخاذ القرارات و العصبية … و غيرها . فالشخص المنصت هو المحبوب و الناجح الذي يسعى الاخرين للحلوس و التحاور معه . وهذه من اهم المهارات التي يحتاجها الطفل في مستقبله الدراسي و المهني .

رابعا , فوائد اخرى :

كالشعور بالامن و الراحة في اسرة متفهمة و متحاورة . و ايضا من فوائد الحوار الصحيح الثقة بالنفس و تعلم وسائل التواصل و الاقناع و ايضا يساعده على فهم المنهج الصحيح لاكتساب  و استقطاب المعلومة , بدلا من الضرب و الصراخ .

هل نعتمد نفس الاسلوب في التحاور مع كل الفئات العمرية ؟ :

قطعا لا , فكل فئة تحتاج الى اسلوب و طريقة خاصة للحوار و ذلك باختلاف قدراتهم و طاقة استعابهم .

من الولادة الى ثلاث سنوات :

هذه فترة التزويد, الملئ  بمعنى انه يجب عليك التكلم مع طفلك لفترات طويلة . راقبي و اهتمي بجميع حركاته و نمي ميولاته عن طريق اللعب التعليمية و الحركية . في هذه الفترة ستبدئين بالتعرف على شخصية طفلك ماذا يحب ماذا يرفض … الى غير ذلك من التفاصيل الصغيرة . اشتغلي عليها و اجعليها منطلق الحوارات و الاحاديث . و لا تنسي جانب المكافأة .

تجنبي الالفاظ الغير لائقة , لانه يقلد و يخزن . و اهتمي بالجانب الديني و كوني قدوة له بممارسة العبادات امامه كالصلاة و يمكنك ايضا اشراكه بالجلوس الى جانبك و رفع يديه و الدعاء سويا .

من سن الرابعة الى السابعة :

في هذه المرحلة ستواجهين العديد و العديد من الاسئلة و الاستفسارات في كل لحظة , حيث تبدأ مرحلة الفضول و الاكتشاف . وهنا تحلي بالصبر و كوني منصتة جيدة و حاولي ان لا تتجاهلي اسئلته . اما ان وجه اليك اسئلة محرجة او صعبة فلا بأس بان تخبريه في بعض الاحيان انك تجهلين الاجابة و تدعينه لتبحثا سويا , لكن حاولي ان تكوني مطلعة على اجابات الاسئلة المتوقعة و المتداولة بين أطفال هذه المرحلة . و تكون الاجابات حسب عمره, صادقة حقيقية و دون عمق او تفصيل في الموضوع .

من سن الثامنة الى البلوغ :

هنا يبدأ جني  الثمار . لكن عليك ان تنفذي بعض طلباته و تلبي رغباته لانه بدأ يشعر بالاستقلالية و يريد اثبات نفسه و اتخاذ بعض القرارات بمفرده . لذلك لا تقلقي و لا تنزعجي ان لم يرد الحديث اليك او ان لم يفصح لك عن مشاعره . فهذا طبيعي في مرحلة المراهقة . لا تخافي فانت ام زرعت في طفلها بذرة التفاهم و الهدوء و حل المشكلات بالحوار و الانصات .

و الآن , كيف أحاور طفلي ماهي الطريقة الصحيحة ؟ :

من اهم الخطوات العملية التي يجب اتباعها للوصول الى حوار مفيد و ناجح نضمن به استجابة و فهم الطفل للمعلومة او المشكلة علينا :

  • انزلي الى مستوى نظر طفلك لا تحاوره و انت واقفة سيشعر بنوع من الخوف و عدم الرغبة بالاستماع او الاستجابة .
  • احرصي على ان يكون هناك تواصل بصري بمعنى عينيك مقابل عينيه . و لا تحاوريه و انت مشغولة بعملك او هاتفك او و انت منهمكة في الطبخ . التواصل البصري احد الخطوات المهمة لادارة حوار ناجح.
  • حاولي ان تتحدثي الى طفلك بنبرة صوت عادية . اياك و الصراخ لن يفهم شيئا . و اجتنبي الحوار عندما تكون في حالة مزاجية سيئة . انتظري قليلا او لا بأس بان تخبريه بانك مرهقة او مريضة و انك ستأجلين الحوار الى وقت لاحق.
  • سرعان ما يمل الاطفال من المحادثات الطويلة , لذلك حاولي الاختصار في تلقين طفلك المعلومة . و لا حرج في المحاولة و التكرار العديد من المرات . المهم ان لا تطيلي الحديث الجاري .
  • اختاري لغة بسيطة و مفرادات واضحة للطفل .
  • اياك و اسلوب المقارنة , ظنا منك انه دافع او محفز . المقارنة من اسوأ الاخطاء المدمرة للمعنويات و الثقة بالنفس . لكن لا بأس ان رويتي له أحد قصص الشخصيات البارزة للاقتداء كقصة سيدنا لقمان و براعته في محاورة ابنه .
  • قدمي البديل دائما في حالة الخطأ . لا تكتفي بنهي طفلك عن ارتكاب الخطأ بل قدم له الحل الصائب .
  • دعي الحنان و الحب و القبلات تطغى على جلسة الحوار حتى و ان اخطأ طفلك . و ذلك لتبيني له انك تحبنه و لم تحبي سلوكه , و حتى يتعلم منك الطريقة اللينة و المقبولة في التوجيه و الارشاد .

بعض النصائح لبداية رحلة الحوار :

*كوني قدوة عودي نفسك على هذا الاسلوب , اقرئي , تدربي, احضري دورات تدريبة حول هذا الموضوع, غيري من نفسك . لان الطفل خاصة في مراحلة الاولى شعاره الوحيد هو التقليد . لذلك احرصي على تعليم و تدريب نفسك قبل ان تطالبي و تبذلي جهدا في تعليم طفلك . كوني قدوة في اختيار الكلمات , في نبرة الصوت و في اختيار المواضيع . هذه من اهم شروط اداب الحوار الناجح المثمر . انبهي الى ذلك جيدا .

*اختاري الوقت المناسب للحوارات و المناقشات الهامة حسب مزاجك و خاصة مزاج طفلك , و اجعلي حديثك بسيطا و تجنبي اسلوب التحقيق لن يتجاوب معك مهما حاولتي

* كوني مستمعة جيدة , هذه نقطة في غاية الاهمية و هي من الاخطاء الشائعة التي نقوم بها هو اننا لا نستمع لاطفالنا ابدا و نجزم دائما ان حديثهم تافه و لا فائدة منه فحذاري .

*اعلم ان بعض المواقف او الاحداث التي يرويها لك طفلك تكون مستفزة او مقلقة خاصة ان كان في مرحلة البلوغ او المراهقة لكن السيطرة على ردود افعالك قاعدة اساسية لكسب ثقة و اطمئنان طفلك نحوك .

*لا تقتصري على التواصل معه بالعين بل حتى التواصل و الحديث اثناء القيام بنشاط معين يمكن ان يجدي نفعا .

*لا بأس بان تكوني فضولية في بعض النقاشات و الاهم ان تكون تلقائية

*انتقاء الاسئلة شرط في غاية الاهمية لادارة حوار مثمر . الاسئلة المفتوحة تساعد على استمرار الحديث , على سبيل المثال : ما أكثر موقف ممتع حدث معك اليوم ؟, هل استمتعت بيومك هل كان جيدا ام سيئا؟ , كيف حال اصدقائك و ما أخبار معلمتك ؟ , ما اكثر موقف جعلك تضحك و ما االشئ الذي ابكاك و جعلك حزينا ؟ , هل تعلمت شيئا جديدا اليوم هيا ارني اياه و ما الذي تنوي او ترغب القيام به غدا ؟ …

هذه من اهم الاسئلة التي تجعل طفلك مندمجا في سرد احداث يومه دون ان يشعر بذلك و من خلال اجاباته ستكتشف ما الذي ابكاه و من الذي ازعجه و ما الشئ الذي يراه مميزا في اعماله و ما خصال و صفات اصدقائه و معلميه … و ما الى ذلك من التفاصيل التي بها تدير و تناقش و تتحصل على كم مذهل من المعلومات حول يوم طفلك . و كل ذلك عن طريق الحوار و انتقاء صيغ مناسبة للاسئلة .

الحوار نقلة نوعية للطفل نحو الارتقاء الاخلاقي متى ما احسنا تأديبه و تدريبه . فرغم بساطة بعض التفاصيل الا ان لها اثرا ايجابيا كبيرا و عميقا على بناء شخصية الطفل فهي تعلمه التواصل مع الاخرين على المنهج السلام من جهة و الاهم انها تبنى جسرا متينا من الثقة و الامان بينك و بينه . وهو ما تلاحظينه في مراحله الصعبة خاصة المراهقة المليئة بالاسرار و الخفايا المقلقة .

لا تظني ان الاوان فات لا عليك ابدئي من الان .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق