كيف أعلم ابني قيمة و مبدأ الاحترام؟
لاشك أن الأطفال هم نعمة من الله عزوجل لنا وهم أمانة لدينا الى يوم الدين . و وظيفة كل قائم على تربية و رعاية طفل يتحمل مسؤولية ليست بهينة على كل سلوك منافي للأخلاق يصدر من الطفل عن جهل منه لأنه كائن صغير و ضعيف لا يستطيع فهم عواقب أفعاله بعد .
لذلك نحن مسؤوليتنا كأهل أو كمربين تعليم الطفل كل المبادئ و القيم و معالجة كل الأسباب الناتجة عن مثل هذه السلوكيات الغير محبذة .
و الاحترام هو أحد أهم أكبر القيم و الأخلاقيات التي علينا أن نتحلى بها نحن كأهل بداية -مع أطفالنا خصيصا- ثم نبدأ بتعليمها للطفل بشكل دائم عن طريق بعض الخطوات العملية المفيدة التي سنعرضها لاحقا .
لذلك من الضروري أعزائي مواصلة القراءة معنا كي نتبين سويا : قيمة و أهمية الاحترام في حياة أي شخص بشكل علم و دور الدين الاسلامي في تكريس هذا الخلق , ثم سنشرح كم هو مهم و ضروري تعليم الطفل الاحترام منذ الصغر و أخيرا سنتطرق على أهم بعض الخطوات و النصائح العملية لتعليم الطفل مبدأ الاحترام بكل أنواعه
و في الأخير سنقدم لكم بعض النماذج من السلوكيات التي تظهر الاحترام التي بامكانك نسخها ثم تقديمها للطفل لتترسخ المعلومة مع الصورة في مخيلته .
قيمة الاحترام في حياة الانسان و دور الدين الاسلامي في تكريس هذا الخلق :
الاحترام أس من أسس العلاقات الناجحة حيث تقوم عقيدة الاسلامية على الأخلاق و المبادئ السامية على رأسها الاحترام بكل أنواعه و في جميع الميادين .
يبدأ زرع هذه القيمة منذ نشأة العائلة و خاصة مع الأطفال في سن مبكرة جدا من حياتهم , لا يمكن أن نبني أسرة متخلقة و ناجحة و محبة لبعضها البعض بدون أن نكرس مبدأ الاحترام الذي يتبادله كل أفراد العائلة . فكلما كانت علاقتك مع أطفالك مبنية على احترامهم و تقديرهم و مراعاة مشاعرهم كلما حصدت نفس ما زرعت , فالخطوة الأساسية المهمة لتعلم أطفالك كيف يحترمونك يجب أنت أن تبادر بذلك فهم حتما وبلا شك سيقلدونك . و قدوتنا في ذلك نبينا الصادق الأمين مع الكبير و الصغير محمد صلى الله عليه و سلم .
اذ كان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الأطفال و يعطف عليهم و يرحمهم و يراعي مشاعرهم حتى أنه صلى الله عليه و سلم يعجل في صلاته من أجل رحمة صغير و يقطع خطبة الجمعة لأجل صغير ثم يعود, كما فعل مع حفيديه صلى الله عليه و سلم في احدى قصص الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام مع الأطفال . و قس على ذلك العديد و العديد من المواقف التي أبدى فيها الرسول صلى الله عليه و سلم عطفه و حبه و احترامه للأطفال , اذ كان يمنع و بشدة ضرب الأطفال و تعذيبهم و يحث الآباء و يوصيهم بتقبيل أطفالهم و احترامهم و الرحمة عليهم .
ما أرمي اليه هو أنك قبل أن تفكر في تعليم طفلك أي مبدأ من مبادئ الحياة و قيم الاسلام , عليك أنت كأب او كأم او كأي راعي لشؤون الأطفال , عليك بتعلم هذه المبادئ و تطبيقها فعليا على أرض الواقع . فمن المتفق عليه أن الطفل يلجأ الى التقليد و المحاكاة في كل ألفاظه و تصرفاته لأن مدرسته الأولى هو بيته و معلميه هما والداه . فمتى رآك شخصا محترما يكون هو كذلك و سيتعلم منك – هذا مما لا شك فيه – فالقاعدة تقول من أفضل مناهج التربية هي التربية بالقدوة .
أهمية تعليم الطفل الاحترام منذ الصغر :
الاحترام من اهم القيم التي على الانسان اكتسابها كبيرا كان ام صغيرا . وهي اس من اسس بناء الشخصية الواثقة المستقلة و بها ينشا جيل و مجتمع حامل جميع االصفات و الاخلاقيات الاسلامية . فالاحترام اسلوب متبادل فلا يمكن ان نعلم الطفل الاحترام و نحن لا نحترمه او لا نحترم الاخرين . فالاولى ان نظهر له الاحترام و التقدير ثم هو سيتعلم ان يعاملنا بنفس الاسلوب و سيبدا تقبل الاصلاحات .
اعلم يا عزيزي المربي أن البدء بغرس القيم يبدا منذ الصغر في محيطه الضيق الا وهو البيت لا غير فهو يحتك يوميا مع والديه و اخوته لذلك البيت او الاسرة هي المدرسة الاولى التي سيتعلم فيها الطفل القيم و الاخلاقيات و التعاملات . من هنا ستبدا بتكوين الشخصية و زرع المبادئ . فكلما بدأت أبكر كلما كانت النتائج أضمن . الوعي بمثل هذه الأمور الممهمة في التربية تجعلك أكثر تركيزا و انتباها الى ما يجب فعله و ما يجب تجنبه , تكون متيقظا لتصرفات أبنائك سواء الايجابية أم السلبية , لذلك أكد جميع المختصين على أنه كلما حرصنا على مثل هذه الأمور في سن مبكرة كلما ازدادت فرص نجاحنا في تربية أطفالنا , حيث أن الطفل في سنواته الأولى يكون أكثر استجابة لوالديه و أكثر قربا و اطاعة لهم , لذلك هاته السنوات هي الأكثر أهمية من حيث كل جوانب التربية و خاصة التوجيه و التعليم .
و الآن يا ترى ماهي فوائد و أهمية أن يكون طفلي محترما لنفسه و للآخرين ؟ و ان علمته كل ذلك منذ الصغر كيف ستكون شخصيته عندما يكبر ؟
الاحترام ينشأ شخصية واثقة من نفسها, علاقتها بالاخرين قوية قائمة على التوقير و التقدير . حتما سيكون لطفلك شخصية و أسلوب راق و يجعله محبوبا و محترما من قبل الجميع , مميز في أسلوبه و أخلاقه و تعاملاته , مجيد لفن التعامل مع الآخرين مهما اختلفت طبائعهم و تصرفاتهم فهو يدرك تماما ما معنى الاختلاف , يتجنب المشاحنات التافهة .اضافة الى ذلك تراه متفنن, ماهر في الاستماع الى الآخرين فمن يحترم نفسه يحترم الاخرين و يحترمونه أيضا , متخلق مؤدب , يبتعد عن الأشخاص السلبيين . ما يميزه أنه واثق و راض بنفسه . فالاحترام يعزز الاستقلالية و قوة الشخصية .
بعض الخطوات و النصائح العملية لتعليم الطفل الاحترام :
بعد ان تعرفنا على مبدأ الاحترام و دوره الكبير في بناء الشخصية و أهمية تكريسه و زرعه في شخصية الطفل منذ الصغر . دعونا نتعمق قليلا و نتعرف سويا : كيف يمكننا تعليم أطفالنا الاحترام كقيمة و بعض الخطوات التي علينا اتباعها:
1/ لا تميز بين أطفالك و لا تنحاز لواحد على حساب الآخر . اعط كل ذي حق حقه . و مثلما علمت الصغير يحترم أخاه الكبير, علم أيضا الكبير يحترم اخوه الصغير خاصة في طلب اي شئ , أو في اللعب أو في الأكل. لا تسمح بأي قلة أدب أو كلام بذيئ او سوء معاملة بينهم أبدا مهما كانت الأسباب . قانون البيت واضح و صريح ممنوع لقلة الاحترام مهما اشتد الاختلاف بينهم . و كما وضحنا مرارا سابقا , أنتما القدوة فمهما اختلفتم فممنوع اطلاقا أي كلمة غير أخلاقية أو تفقد الشخص الآخر احترامه و مكانته .
2/ بادر انت بالاحترام و انظر بعدها النتيجة – و هذا ما ذكرته في نقاط عدة و أشدد عليه بقوة لأنه هو الأساس – . عود لسانك على التلفظ بالألفاظ الحسنة داخل المنزل أو خارجه . قل له ” لو سمحت ” أو “من فضلك” أو “شكرا” . و احرص أن تحسن دائما و تغير أسلوب تعاملك مع أطفالك و لا تكن “الأب/ الأم المتسلط/ة ” .
3/ كلمة “شكرا” او ” احسنت” او “جزاك الله خيرا ” مهمة جدا في مبدأ الاحترام و التقدير . فأنت في هذه الحالة تبين لطفلك حسن صنيعه و تزيد من المحبة و الثقة بينكما . سيصبح دائما يقدرك و يسمع كلامك حبا و احتراما لا خوفا . فهذه الكلمات الايجابية التي تقوم عل حسن التعامل و التقدير بين أفراد الاسرة يجب أن تكون في دستور المنزل تتطبق يوميا بصورة تلقائية اعتيادية .
4/ كل الأطفال تمر عليهم فترات من حياتهم يشعلونها عنفا و عصبية و شغب . لكل ذلك أسباب فاذا تفهمنا تلك المرحلة مع اضافة صغر السن و عدم اكتمال مداركه العقلية ووعيه الناقص , نستطيع تجاوز هذه المرحلة بتفهم و صبر . لذلك يجب ان تتعامل مع طفلك بكل لطف حتى تنشأ طفل هادئ مطيع . فعندما يقاطع حديثك مثلا لا تقل له “اسكت” او “اصمت” بل خاطبه بلطف “انتظر حبيبي حتى اكمل حديثي ” ثم كافئه . و ذلك لا يمنع أن تؤدبه بطريقة سليمة و صحية .
5/ عندما تبدأ قيمة الاحترام تنغرس في طفلك شيئا فشيئا . سيبدأ بالملاحظة و التدقيق على كلامك أكثر . فحين ينبهك بأنك تلفظت بألفاظ غير مهذبة لا تنهره و لا تصرخ في وجهه و لا تعنفه . بل اشكره لأنه بدأ بالاستيعاب و التفهم فهو سيتشجع و سيصبح يراقب نفسه و سلوكه أيضا في أغلب الأوقات .
6/ استمع اليه دائما حتى النهاية و لا تقلل من شأن حديثه حتى وان كان بسيطا لا قيمة له فهو مهم جدا بالنسبة له . اصبر على كثرة أسئلته فهو أمر طبيعي جدا عند كل طفل في مرحلة التعلم و الفهم و التوغل في العالم الخارجي الغامض . و لا بأس ان أخبرته بعدم علمك بهذه الأمور و دله على من يستطيع الاجابة عن سؤاله كالانترنات مثلا او المكتبة او غير ذلك .
7/ عامل الآخرين باحترام سيقلدك, و حاول أن لا تغضب أمامه . اسعى دائما الى شرح التعليمات التي تعطيها اياه لا تستعمل أسلوب الأمر القاطع . ” اذهب و حسب” لا بل يمكنك ان تكون لين اكثر مثلا ” اذهب يا بني الى غرفتك فالآن حان وقت النوم , نم باكرا لتستيقظ باكرا نشيطا مجتهدا و سآتي بعد قليل لأرى كم أنت ولد مطيع” هذا مثال بسيط يساق عنه بقية التعاملات اليومية مع الطفل . سيعلمه احترامك و احترام مواعيده …
8/ علق على سلوكه لا على شخصه . وهذه من القواعد المهمة الأساسية في التربية .
9/ اغرس في طفلك احترام الكبير و اعلاء قيمته سواء كان كبيرا في السن أو في العلم أو في المقام . و نحن كمسلمين نعلم جيدا قيمة كل من هؤلاء و نكن لهم احتراما و تقديرا لا مثيل له . فكل من شاب شيبة في الاسلام كان له حسنة حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : {إن الله ليستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام}، ويذكر أن الإمام أحمد على قدره الكبير كإمام لأهل السنة، كان لا يقوم لأحد، لكنه كان إذا رأى شيخاً أقبل في لحيته شيب قام له واحترمه وقبله وأجلسه مكانه. لذلك واجب على الآباء و حق على الأبناء أن يتعلموا تقدير و احترام الكبير .
غرس قيم الاحترام و توقيره في نفس الطفل منذ الصغر مهم جدا . سينشأ الطفل على احترام نفسه ووالديه و جيرانه و زملائه و الذين هم أكبر منه سنا و يمتد الى اعلاء قيمة معلميه و مدرائه و الممتلكات العامة و خصوصيات الآخرين . سيتعلم شيئا فشيئا مبدأ” حريته تنتهي عندما تبدأ حرية غيره ” و أن الاحترام و التقدير مبدئين أساسيين واجب عليه الالتزام بهما .
للتوضيح : جميل جدا أن يرتكز البيت الاسلامي على المبادئ و الأخلاقيات السامية و على رأسها الاحترام و التقدير , و هذا مطلبنا و شعارنا . لكن على كل الاطراف أن تفهم دورها و تؤديه جيدا . بمعنى : على الابن أن يعلم أن أبواه لهما مكانة خاصة و درجة احترامهما و تقديرهما عالية جدا , و لا يجب أن تتساوى الأدوار , كذلك الاب عليه أن يدرك أن لطفله حرمة و خصوصيات خاصة به و ان تدخل فذلك من باب التأديب و التوجيه و الحرص عليه و على مبادئه و أخلاقه ليس من باب التسلط و القمع و اللوم و المراقبة و العتاب و غيرها .
فمهما كان مبدأ الاحترام مطلب سام و مهم ننادي به و نسعى الى تكريسه في حياتنا و في بيوتنا و في جميع علاقاتنا علينا أيضا احترام المكانات و الأدوار و لا يجب أن نتعداها . ( مهما كانت علاقتي جيدة مع أبي , يبقى أبي و لا تجوز بعض التصرفات و لا بعض الكلمات و لا بعض المواضيع أمامه , مهما كانت علاقتي طيبة مع مديري , يبقى هو مديري و أعلى مني رتبة علي احترامه و لا يجب علي أن أتجاوز حدودي , علاقتي ممتازة مع أخي الأكبر لكن يمنع علي التدخل في شؤونه الخاصة أو نحو ذلك …)
أمثلة من السلوكيات التي تظهر الاحترام :
يمكنك أن تريها لأطفالك لتبين لهم و تشرح لهم أكثر عن مبدأ الاحترام أثناء فترة التعليم .
احترام الكبير في السن : سواء في الطريق أو في كل وقت يحتاج فيه الى مساعدة , علم طفلك أن يسارع الى مساعدة شيخ مسن أو عجوز سواء في عبور الطريق أو في حمل الأغراض أو في المواصلات العمومية. و ان كان لكم جار كبير في السن اسعى دائما الى زيارته و مساعدته في شؤون بيته و خذ طفلك معك . أوج المساعدة و الاحترام متعددة حتى بالكلمة الطيبة فهي صدقة .
احترام الآخرين : علم طفلك أنه كلما شاهد رجلا أو أي شخص آخر يحمل أغراضا فليساعده ان احتاج الى ذلك , أو فليفتح له باب الدكان ان كان لا يستطيع بسبب أغراضه الثقيلة . هذا من حسن الأخلاق و من حسن التصرف و قمة في الأدب , فلايوجد أجمل من مساعدة الآخرين ولو بابسط الأشياء . ازرع هذا المفهوم في طفلك و سترى حصاد العطاء و الاحترام بلا مقابل الذي قمت بزرعه داخله .
المساعدة : مساعدة الآخرين تندرج ضمن مفهوم الاحترام و التقدير , علم طفلك مساعدة الناس في حمل الأغراض فستنهال عليه الدعوات الجميلة المباركة .
الاحترام في الأماكن العمومية : علم طفلك أن يترك مقعدة للرجل الكبير في السن أو للمرأة الحامل أو للمرأة التي تحمل رضيعا أو للمريض . فهذه من القيم و الشيم السامية التي تعلم الطفل الاحترام و التقدير .
احترام المعلمين : من أفضل البصمات التربيوية التي قرأتها في عالم التربية هذه العبارة :” و أنتم تودعون أبنائكم الى المدرسة لا تنسوا أن تهمسوا في آذانهم .. لن تنهض أمة لا تجل و لا تحترم معلميها ” . ازرعها في قاموس طفلك .
و كانت هذه مجموعة من السلوكيات الجيدة التي تبين قيمة و مبدأ الاحترام و المساعدة مع بعض الشرائح الاجتماعية , و غيرها الكثير و الكثير , اغتم الفرص اليومية لتبين و لتعلم طفلك عن أي مبدأ و أي قيمة تريد تكريسها و زرعها داخله .
و في النهاية أود التنويه الى أمر بسيط و مهم , نحن بشر و غير معصومين من الخطأ , و في ظل الظروف و الفتن الصعبة التي نعيشها من الطبيعي أن نتعب و نغضب و نتوتر , فان مر يوم مضغوط و مشحون و قمت بتفريغ شحناتك السلبية على أطفالك و قللت من احترامهم و آذيت مشاعرهم على تشعر بالذنب أو التقصير ما عليك الا أن تذهب و تعتذر منهم و توضح لهم سبب ما تمر به و اخبرهم دائما أنك تحبهم و أنك لم تقصد التقليل من احترامهم أو ايذائهم . افعل ذلك ببساطة و لا تهول الأمور و عش انسانيتك بكل جوانبها الايجابية و السلبية. و تذكر أن الاعتذار و طلب السماع سيعزز من علاقتك بأطفالك و من مصداقيتك في نظرهم لأنك أنت القدوة.
أسال الله أن يعيينا على انشاء جيل صالح جيل يسير عل خطى الرسول صلى الله عليه و سلم . و يرى كيف يتعامل عليه أفضل الصلوات و السلام مع هذا الكائن الضعيف كيف كان يقبلهم و يحترمهم و يبجلهم و يراعي صغر سنهم . علموا ابنائكم الاحترام و التوقير فهما سر الشخصية الناجحة الواثقة المستقلة .