التكنولوجيا و الاطفال : السن المسموح للاستعمال , التاثيرات و الحلول
غزت التكنولوجيا بتطورها و امكانياتها و احداثياتها العالم و خاصة العربي الذي اصبح يعيش في وهم التبعية دون حدود و لا وعي . الا انه لا يمكننا انكار فضل التطور التكنولوجي في تسهيل و تسيير المقتضيات اليومية .
و رغم ما تحمله الاجهزة الذكية من فوائد و ايجابيات كالتعليم عن بعد و التواصل و الكم الهائل المتدفق من المعلومات المتنوعة في جميع المجالات و بجميع اللغات و القدرة على التعبير وتوفير سبل الراحة و الترفيه و تمضية وقت الفراغ … و غيرها من فوائد و ايجابيات التكنولوجيا .
لكننا اليوم سنتوجه بحديثنا حول الاطفال باعتبارهم الفئة المستهدفة و الفئة التي تحتاج اكبر قدر من الانتباه و الرعاية , هم جيل المستقبل هم الادمغة النقية و الصافية التي من مسؤوليتنا حمايتها و توجييهها .
بسبب ضغوطات الحياة على الوالدين اصبحت الاجهزة التقنية ملاذهم و ملجئهم للحصول على فرصة للاستمتاع و الراحة بدون اطفالهم . حيث اصبح هذا الاخير يقضي ساعات و ساعات على الهاتف او الايباد او التلفاز مما يجعله امام مدفع الخطر .
لذلك اليوم من واجبنا التنبيه على بعض التاثيرات السلبية للتكنولوجيا على صحة الاطفال الجسدية و النفسية , و ايضا سنقدم بعض الحلول التوعوية للحد من الاستعمال المفرط لهذه الاجهزة من قبل الاطفال الضحايا .
لماذا يستعمل الاطفال التكنولوجيا :
هناك عدة اسباب تجعل الاطفال لا يملون من استعمال الاجهزة التقنية فهي محطة مليئة بشتى انواع البرامج و الالعاب و التطبيقات المسلية و المتنوعة , عددها لا يحصى و لا يعد اضف الى انها سهلة الاستخدام . و في مرحلة متقدمة تصبح هذه الوسائل الصديق الاول و الاخير و الوحيد ايضا , حيث يمضي الطفل ساعات وهو يلعب بالعاب الفيديو التي لا تنتهي من التسلية و التشويق , و تلك الافلام المتنوعة و الالعاب التي تسمح لهم بابراز قوتهم و شجاعتهم . اما من جانب اخر فالطفل خاصة المراهق يجد الدعم و الثقة في مواقع التواصل الاجتماعي في حين يفتقدها في اسرته و بذلك لا يمكنه التخلي عن جهازه حيث اصبح جزءا من شخصيته و ذاته … كل تلك اسباب و غيرها تجعل الاطفال يسيرون الى مرحلة الادمان على التكنولوجيا ما لم يتم تعديل و توجيه هذا السلوك.
من اي عمر يمكن للطفل استخدام الهواتف الذكية :
بداية , أكدت الاكاديمية الامريكية و الجمعية الكندية لطب الاطفال : ان الاطفال الرضع من دون السنتين يمنع منعا باتا تعرضهم للاجهزة الالكترونية , من صفر لسنتين ممنوع مشاهدة او حمل او استعمال لا الهاتف و لا التلفاز و لا اي جهاز . و هذا ما اتفق عليه معظم الاطباء و المختصين .
خطورة التكنولوجيا على الطفل ما دون السنتين :
في هذا العمر تحديدا يبدأ دماغ الطفل بالنمو بشكل سريع جدا . سرعة استقطابه و تخزينه للمعلومات سريعة و قوية جدا , حيث يبدأ دماغه بالنمو و التطور و يتم صقله من خلال تواصله مع الناس و ليس مع الآلة . كلما ارتبط و تواصل الطفل مع الناس كلما نكون قد نجحنا في تأسيس شخصية اجتماعية ناجحة , حيث ان التواصل الاجتماعي يقلل من نسبة اصابة الطفل بالخوف و الرهبة من الناس .
الباحثين في كلية الطب بجامعة بوسطن “وجدوا ان استخدام طفل دون السنتين للشاشات التفاعلية قد يضعف نمو مهاراته بسبب انها تحل محل ممارسته للانشطة المهمة للتطوير الحسي و البصري و المهارات الحركية”
و التي صنفت من اهم العوامل التي تساعد على النجاح في المواد العلمية كالعلوم و الرياضيات .
قدر الاطباء و المختصين المدة الزمنية المحددة في كل سن على النحو التالي :
*من سنتين الى ست سنوات : ساعة في اليوم كحد اقصى , و حاولي ان تكون هذه الساعة متفرقة
* من الستة سنوات الى 12 سنة : ساعتين , و لو طلب اكثر ذكره بالشروط -سنتبينها في الفقرات الموالية- ,اذ لا بأس بتلبية طلبه من حين الى اخر لكن ستخصم هذه الساعة من ساعات الاسبوع
*للكبار : لا اكثر من ست ساعات , و الا سيتحول الى ادمان و تبدا الاعراض و المخاطر بالظهور.
تاثير التكنولوجيا على الاطفال على المدى القريب و البعيد :
تحدثنا سابقا عن بعض ايجابيات و فوائد التكنولوجيا و هذا امر جيد لا يمكننا انكاره او حتى الاستغناء عن الاجهزة التقنية . لكن المشكل الحقيقي كامن في طريقة الاستخدام , مدة الاستخدام و نوعية البرامج المشاهدة من قبل الطفل .
الاستعمال المفرط للهواتف الذكية او البقاء لساعات امام التلفاز و خاصة العاب الفيديو تأثر بشكل مباشر و مرعب على الاطفال من ناحية :
- تأخر النطق
- انقطاع الزاد اللغوي
- اضطراب و نقص الانتباه ,فقدان الذاكرة و التركيز
- الصداع
- مشاكل السمع و البصر
- نوعية النوم
- طريقة الجلوس تأثر على الظهر و العنق مما يؤدي الى مشاكل في العمود الفقري
- انعزال و انطواء
- امراض قلبية
- تشنجات عصبية
لا تنحصر هذه المخاطر على ذلك بل تصل الى اصابة الطفل بالاكتئاب و الاضطرابات العصبية و حتى الى سرطان المخ لا قدر الله .
حتى ان الكثير من الدراسات التي عملت على تقييم مخاطر الالعاب الالكترونية و ادمان الاطفال على التكنولوجيا حذرت من الاشعاعات الكهرمغناطيسية التي تاثر على الاطفال على المدى الطويل, فلهذه الاشعاعات تاثير كبير على حالتهم الصحية و النفسية و السلوكية بسبب انخفاض مستوى التركيز لديهم و ضعف الذاكرة و نقص القدرة على الاستيعاب و الفهم و بذلك يكون الطفل امام مصاعب كبيرة و كثيرة على الصعيد الدراسي . و ليس هذا فقط و انما ينشأ لديه بعض السلوكيات العدوانية الغير مبررة .
و في هذا السياق, الملفت للنظر ان الكثير من الاطفال تراهم يقومون بحركات احيانا تكون عنيفة عدوانية و احيانا غريبة لا تفسير لها … لان المحنوى الاعلامي العنيف هو غالب ما يتداول على الاجهزة الالكترونية و على البرامج الكرتونية اذ يمكن يسبب بنسبة كبيرة العدوانية و العنف لدى الاطفال . وهذه نتيجة متوقعة بما ان للطفل قدرات هائلة على التقليد و التخزين
لا تقتصر التاثيرات السلبية على ذلك فقط و انما لها ابعاد و مخاطر اخرى ايضا , حيث اكدت الدراسات الحديثة ان النشاط المفرط و نقص في الانتباه احد نتائج الاستعمال المفرط للتكنولوجيا.
علاوة على ذلك , سبب الاستخدام المفرط للاجهزة الذكية دمار عائلي و تشتت اسري فلم يعد الاولياء واعيين بخطورة انشغالهم بهواتفهم و حواسيبهم على حساب اطفالهم و هذا ما يؤدي بهم الى الادمان على العاب الفيديو و موقع التواصل الاجتماعي و غيرهم من الاوضاع الكارثية المتداولة في هذا الزمان .
هل وصلنا الى مرحلة الادمان :
لن نتحدث عم ادمان الكبار و قلة وعيهم بالساعات الطويلة التي يقضونها على المواقع الاجتماعية غير مكترثين باطفالهم و لا مشاغلهم و لا حياتهم , و يمضي اليوم و نحن لا نعلم الى اين متجهين و ما نحن بفاعلين .
هدفي في هذا مقال هو انقاذ ما يمكن انقاذهم, يجب ان نحمي اطفالنا و انفسنا من وهم التكنولوجيا و حفرة الادمان, يجب ان نحقق معادلة التوازي و الاعتدال و خاصة مع اطفالنا .
نعم وصل اطفالنا الى مرحلة الادمان بسبب الاهمال و الامبالاة , بسبب انه لا يوجد قانون صارم في البيت يحتم على الاطفال تطبيقه , بسبب انه لا يوجد من يفرض هذا القانون بصرامة و حزم , بسبب انه تم الخضوع و الاستسلام لاستفزازات الاطفال , بسبب ان اطفال العالم كله اصبحوا من هواة الهواتف الذكية و الاجهزة التقنية عامة و خرج الموضوع عن السيطرة .
من علامات الاصابة بالادمان التكنولوجي :
- عدم القدرة في تقليل وقتهم المخصص لاستعمال هواتفهم و العابهم الالكترونية
- عدم الاكتراث باشيائهم و العابهم المفضلة التي كانوا يحبونها و يستمتعون بها سابقا و استبدالها بالاجهزة التقنية
- انخفاض واضح في المستوى التعليمي
- قلة انتباه حادة و نقص كبير وواضح في التركيز
- الارتباك المستمر في السلوميات و الالفاظ و التخلف عن مواعيد الوجبات اليومية و مواعيد النوم المعتادة .
- الصداع المستمر و بداية ظهور الاعراض الصحية
ماذا افعل اذا اصبح طفلي مدمنا :
اذا كان طفلك في البداية يمكنك انقاذه بالاستخدام سياسة التفاوض و تغيير او تعديل بعض القوانين التي تناسب كليكما و ايضا قدمي بدائل حيوية كاشراكه في النوادي و تعزيز مهارة الاتصال و شغل وقته بالانشطة الاجتماعية المشتركة كالعمل الجمعياتي و الخروج في المخيمات الاستكشافية او تسجيله في النوادي القرانية و غيرها
و الا فان اخذه الى طبيب مختص افضل حل في الحالات الحرجة سيتولى الطبيب الاشراف على حالته و مساعدته للخروج من حالة الادمان التي ستنعكس سلبا على شخصيته من جميع النواحي عاجلا ام اجلا .
الكثير منا يتساءل كيف لنا ان نحد من استخدام اطفالنا للاجهزة خاصة في وقتنا الحالي حيث اصبح التعليم عن بعد و المعلومات متوفرة بكم هائل عبر شبكات الانترنات و هناك تطبيقات تفاعلية متميزة تتيح لنا الفرصة لعيش حياة متطورة ؟
و هذا السؤال يقودنا الى تقديم بعض الحلول التوعوية للحد من الاستخدام المفرط للتكنولوجيا و تحويلها من مصدر خوف و خطر الى وسيلة تعليم و ترفيه محدود
بعض النصائح تساعدك في هذه الرحلة :
اولا , عليك ان تكون واعية و مدركة لاهمية الموضوع من جميع الجوانب . فلتبحثي جيدا و لا تستهيني بالوضع و لتدركي جيدا ان مصير طفلك و حياته و مستقبله متعلق بك و بطريقة تفكيرك و تربيتك . خذي الموضوع على محمل الجد .
ثانيا , شعارك هو حماية اطفالك بمعنى انه يجب ان تشرحي دائما مخاطر الهواتف و التلفاز على اعينهم و رؤوسهم و قلوبهم و كل ذلك . يجب ان يشعر طفلك انك خائفة عليه و انك تحمينه من الاشياء التي تضره و تاذيه و ليس هدفك حرمانه من الاشياء التي يحبها . و سيدرك طفلك على المدى البعيد قيمة حرمانه من التكنولوجيا بعد ان استمتع باللعب في الخارج و جرب كل الالعاب التقليدية المسلية و بذلك يكون قد تمكن من تنمية مهاراته و اكتساب القيم و الاخلاق
ثالثا , فلتعلم ان قرار تمكين طفلك من هاتف محمول في سن مبكرة او قرار شراء لعبة فيديو هو قرارك و عليك تحمل مسؤوليته . انت ايها الاب او انت ايتها الام يجب ان تبقى دائما في موضع القوة انت المتحكم و انت الصارم يجب ان يكون للبيت قانون سائر على كل فرد الالتزام به و تطبيقه . اذا لا تستسلم و لا تيأس من ابتزازات الاطفال مهما كانت مزعجة و الا فانك خسرت مكانتك و ضاع كل تعبك .
رابعا, ضروري جدا ابعاد الاجهزة الذكية عن الاطفال اثناء تناول الوجبات الغذائية و اثناء الخلود الى النوم . لسلامة صحتهم و للحفاظ على مبادئهم.
مجموعة من الحلول للحد من الاستعمال المفرط للتكنولوجيا على الاطفال:
الحل الاول :
اذا كان طفلك مدمن تكنولوجيا و لا يمكنك السيطرة على ساعات حمله للجهاز و اصبحت ردود افعاله عنيفة و عصبية عندما تسحبينه منه . انصحك باعتماد طريقة التدرج و الخطة الصارمة .
بمعنى لا تقطعي عنه الجهاز تماما و انما احرصي على انتقاء مجموعة معينة من القنوات المسموحة للاطفال , ثم احذفي كل التطبيقات او الالعاب و قومي بتقييم اللعبة او الفيلم او الفيديو اعتمادا على كل ذلك قرري المدة الزمنية البسيطة التي يحتاجها الطفل, ثم ابدئي بالتقليل شيئا فشيئا حتى تصلي الى الهدف المطلوب .
في مرحلة لاحقة اتفقي مع طفلك على انه لن يتجاوز الوقت المسموح بعد الآن و اياك و اعادة تمديد المدة حتى و ان صرخ و بكى كثيرا , اخضنيه ثم حاولي صرف نظره بوضعه جانب النافذه لمشاهدة مناظر طبيعية او اشغليه باي شئ اخر . المهم ان تكوني صبورة و جدية بخصوص القانون و سيكون للالتزام به ثواب و لمخالفته عقاب .
الحل الثاني :
البدائل و تنويع الخيارات هي الحل الجذري لابعاد طفلك عن الاجهزة التقنية.
مرحلة ما قبل الثلاث سنوات هي مرحلة تكوين و تطوير الدماغ , لذلك يجب ان تبدأ حياة الطفل بالانشطة و المشاهد الحيوية . اذا الحل هو ابعاد كل ماهو الكتروني عن ناظريه و عدم تمكينه من هواتف والديه ابدا و ملء اوقات فراغه بالانشطة الحركية و التعليمية قدر المستطاع المتوفرة بانواع و الوان و اشكال مختلفة في الاسواق او يمكنك صناعة بعض الانشطة اليدوية لتعليمه الالوان او الاحرف … الخيارات متاحة المهم هو الصبر .
يمكنك الهائه بالخروج سويا او الطبخ او بتقديم دفاتر تلوين او الوان مائية او الصلصال او الانشطة الخارجية الجماعية كلعب الكرة … كل هذه الالعاب تكون مسلية و مفيدة في نفس الوقت اذ يمكنك التنويع و التغيير من حين الى اخر حسب ميول طفلك و اهتماماته .
الحل الثالث :
اذا كان طفلك تجاوز الثلالث سنوات يمكنك تسجيله في النوادي الرياضية . فالرياضة من اهم و انجع الطرق للحفاظ على سلامة و توازن الجسم و العقل . اضف الى انها تملء وقت الفراغ و تشغل الطفل عن الالعاب و الاجهزة الالكترونية .
علاوة على ذلك, هناك ايضا النشاط و العمل الجمعياتي الذي يقوم على الانخراط و الاشتراك بالنفع و الفائدة في الحياة الاجتماعية . كالحملات التي تقام لمساعدة المحتاجين او جمع قفة رمضان او اثناء العودة المدرسية او حملات نظافة الشواطئ او المساجد … الى غير ذلك . ليس استغلال كما يظن الكثيرون بل هو تحفيز و تشجيع روح التعاون و العمل الخيري الجماعي و تعزيز مهارة الاتصال .
الحل الرابع :
في حالة عدم استجاب طفلك لاي من الحلول السابقة يمكنك استشارة استشاري تربوي او مختص يساعدك بتشخيص حالة طفلك و تقديم الحلول المناسبة له شخصيا . كوني دائما على دراية و احاطة كاملة بما يشاهده طفلك دون افراط او تفريط.
في نهاية المطاف , اود التنويه الى ان الحركة و اللعب تعتبر من الاشياء الضرورية للاطفال لنموهم و تعلمهم التواصل الانساني و الطبيعي , وهي من العوامل التي يفقدها الطفل عند ارتباطه بالاجهزة التقنية . من خلالها ينفصل عن الذات و الغير و البيئة الطبيعية المحيطة به . و مع تزايد و تنوع الاجهزة المحمولة سهل الاستخدام خاصة للاطفال . ذالك ما يدعو الى اعتبار هذا الوضع من اخطر ما يهدد صحة و سلامة الاطفال و ظهرت العديد من الدراسات و التحضيرات خاصة من الاكادمية الامريكية لطب الاطفال و الجمعية الكندية لطب الاطفال, حتى انه ظهر مرض ما يسمى ب”متلازمة الشاشات الالكترونية ” .
حقا الامر يستدعي الوقوف و البحث عن حل جذري للحفاظ على اطفالنا من وحش التكنولوجيا . صحيح ان الضغوطات اصبحت اقوى ما يمكن تحمله لكن اطفالنا مسؤوايتنا علينا التفكير بجدية في حالتهم و تخصيص ولو بعض السويعات للعب معم لترفيههم للحديث اليهم لصنع بعض النشاطات المفيدة لهم .
اطفالنا هم مستقبلنا و لكن لا مستقبل لاطفال يفرطون في استخدام التكنولوجيا .